الإسلام والنباتية ، هل النباتية حلال أو حرام حسب الفقه الإسلامي، الخضرية من منظور ديني
هل تتعارض النباتية (الخضرية) مع الدين؟
أومن جازماً أن ذبح الحيوانات واحتجازها بدافع الغذاء لم يعد له من ضرورة أو حاجة في عصرنا الحالي لأسباب جمة ليس المقام هنا بمتسع لجردها، ولكن أهمها وفرة الغذاء النباتي وقدرة كوكبنا على سد الاحتياج منها، ولكون “الغذاء” الحيواني مفخخا بالأمراض والسرطانات كما تثبت الدراسات بشكل غير قابل للجدل.
إن هذه الممارسات لم تعد تستمد مشروعيتها من الحاجة أو الضرورة لغذاء مقوٍّ أو طاقي، بل هي فقط لمسايرة نمط استهلاكي ضارب في القدم وغير خاضع لعميق تمحيص. كما أن ذائقة معظم بني البشر لوثتها اللحوم التي بالضرورة تمتزج بطعم الخوف والألم والمعاناة ودفق من الأدرينالين الذي يسري في جثة الحيوان الذبيح. القاعدة تقول: “أنت ما تأكل”. ولازال الإنسان يأكل من العنف و الألم إسرافا ودونما ضوابط حتى استحال وحشا ضاريا مسلطاُ على بني جلدته من البشر و على سائر أجناس المخلوقات ” الدنيا”.
إن المنظور النسكي والتعبدي لعملية الذبح يخضع لسوء فهم خطير وبالضرورة منحرف عن الفلسفة العميقة اللدين (إجمالاُ) ولروحه. فالدين عموما جاء لإحلال السلام الداخلي والسلام الاجتماعي والأمن والرحمة، وهو الذي – وإن أجاز الذبح- حرَّج كثيراُ في أن تعذب الذبيحة و حتى في أن ترى الشفرة، وحرج في أن تقاد بعنف أو تعاني قبل وأثناء وبعد العملية، وحتماً ليس الأمر بالهين (لكم أن تسألو المجربين ذوي الخبرة والورع في الأمر. وقد سبق لي أن ذبحت غير ما مرة). ولا بد أن يفهم من هذا الأمر أن الذبح هو أرحم وسيلة لإماتة الحيوان الذي نحن مضطرون لاستهلاكه. وكون الأمر نسكا يعطيه مهابة ورهبة لا بد من التدبر فيها وأطالة الوقوف عندها. لم يكن للناس قديما وعي كبير بالغذاء ولم يكن لهم من مصادر البروتيينات إلا القليل، خاصة في المناطق القاحلة كصحراء العرب، ورغم ذلك فأن صيد الحيوانات كان قديما حتى في الغابات الكثيفة و الواحات.. لأن الوعي الأخلاقي للإنسان لم يبلغ آنذاك ما يفترض أنه قد بلغه اليوم. فمن المعلوم أنه كلما بلغ المرء الرفاه إلا وزادت مسؤوليته الأخلاقية تجاه البشر والحيوان وحتى الجمادات، وإلا فبماذا يكون خليفة لله؟
إن كون أمر ما مباحا، حلالا ُ أو نسكا لا يعني بالضرورة قدسيته, إذ إن بعضاً من المناسك أصلها حاجة للإنسان، فإذا ارتفعت الحاجة جاز الحديث عن بدائل يعرفها أهل العلم والفقه ( فقه المقاصد، فقه الضرورات..) وليس الأمر متروكا للعوام, ولا غرض لي بخوض هذا المجال.
إن في الذبح لقبحا وبشاعة لا مجال لإنكارها، والأقبح والأبشع هو أن مليارات المخلوقات تعذب وتحتجز يوميا في ظروف لا أخلاقية بذريعة إطعام الأنسان، الأمر الذي لا تقبله أي شريعة عادلة سواء أكانت إلهية أم وضعية.
إن كون الإنسان مخلوقا أرقى مما في الكون من خلائق بعد أن تحدر من شجرة الحيوان، يجعله في موضع مسؤول على سلامة الكوكب قدر ما استطاع، ومن باب أولى مسؤولا على صحته الجسمانية والنفسية والروحية، وكل هذه الجوانب يهددها الاستهلاك اللاواعي للأغذية من مصادر حيوانية كما تثبت الدراسات. إن سلطان العلم الذي بين أيدينا يجعلنا قادرين على توفير بدائل غذائية أكثر اتساقا مع حاجيات أجسامنا وأرواحنا، وكذلك على توفير عيش رغيد وآمن لباقي الحيوانات،على الأقل بعدم استغلالها واستعبادها والتدخل في جياتها من نمط عيشها وتكاثرها، مرورا بأغذيتها وأوضاعها النفسية انتهاء بجيناتها و خصائصها الوراثية.. وكل هذا من أجل مجرد طبق ملغوم بالسرطان!
الخضرية هي الحل.
في الحديث عن موضوع الإسلام والنباتية وجميع أساليب الحياة التي يمتنع فيها المرء عن استهلاك اللحوم كلها أو بعضها أو ما ارتبط بها، ينبري الناقدون للتعليل بعدم حرمة اللحم في الدين وجواز أكله باعتباره من الطيبات التي أحل الله في الدنيا و التي وعد بها الصالحين من عباده في الآخرة، يتلون من الآي ماتيسر في القرآن عن الموضوع من قبيل قوله تعالى:
” .. وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ (21) ” الواقعة، وقوله جل وعلا: ” قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ” الأنعام 45.
وغالبا ما ينتهي الحديث بالتحذير من مغبة تحريم ما أحل الله، فالرسل والصحابة أكلوا اللحم وأحبوه على تقواهم وورعهم، وليس لأحد أن يدعي أنه أرحم منهم أو من الله على الضعاف من المخلوقات. وبهذا الرد القوي المثقل بالمرجعية الدينية ذات الخطوط الحمر القانية، يصبح الممتنع عن اللحم وغيره من المنتجات الحيوانية ذا عوز للجواب السديد، بل قاب قوسين أو أدنى من الفسق والهرطقة أو حتى من الردة.
و السبب في هذا التضارب المفضي إلى هوة ظلماء وهمية _لا تعدو في رأيي أن تكون نابعة من نقص في الاستيعاب ولبس في بعض المفاهيم وغياب مجموعة من الحقائق عن الطرفين، السبب هو أن ثلة كبيرة من أبناء الأديان _خاصة الإسلام، من الذين أقلعوا عن المنتجات الحيوانية بعضها أو كلها، عجزوا أن يبلوروا فهما وفلسفة رصينة تحقق لهم الاتساق بين قناعاتهم الدينية بشقها التشريعي والعقدي، وبين اختياراتهم في الحياة فيما لا يضرب أساساً من الأسس الجوهرية للدين، وفي هذه الحالة، ينصب حديثنا على النمط النباتي والخضري كأسلوب حياة لا كمجرد حمية غذائية.
إن هكذا نقاشات وسجالات لا بد لها أن تستفحل في السنوات القليلة المقبلة حول الإسلام والنباتية مع تزايد الخضريين في الأوساط ذات الأغلبية المسلمة، وفي غياب الثقافة الدينية السليمة لدى السواد الأعظم من الناس. وخلال بحثي في موضوع الرفق بالحيوان والأسلوب النباتي منذ ما يناهز خمس سنوات أو يزيد، لم أكد أقع في المحتوى العربي بالخصوص على ما يلوح بوجود نسق فكري رصين تم تأصيله وتقعيده ليتناسب مع قيم مجتمعاتنا ومعتقداتها ومقدساتها، إنما وجدت نقولاً وترجمات بائسة في الغالب عن مواقف وفلسفات الخضريين من مذاهب فكرية وعقدية مختلفة، بوذية و أو هندوسية أو حتى لا دينية..
كما وجدت تساؤلات عدة مرتبطة بالدين والمناسك في تعارضها مع أسس الخضرية كما يبدو. ولا يخفى على المرء أن العديد من الخضريين في الدول ذات الأغلبية المسلمة ( أو الدول الإسلامية كما يطلق عليها) إما لادينيون، أو غير متقيدين كثيراً بالدين، أو هم أتباع لفلسفات تتخذ الامتناع عن اللحم والمنتجات ذات الأصل الحيواني عقيدة. وذلك ما أساء في أذهان العامة لسمعة الخضرية والنباتية، فاعتبروها خطوة مجازفِة نحو الإلحاد أو الهرطقة والتطاول على الله و التدخل في تدبيره للكون والحكم على رحمانيته.
كما أن حشداً غفيراً من النباتيين والخضريين خفيفي المعرفة بالدين يجدون ضالتهم في بعض الفلسفات والمعتقدات غير الديانات السماوية الثلاث، وحديثنا هنا بالخصوص عن الإسلام والنباتية ، لأن الفهم الغالب والسائد للدين لا يتعرض بشكل عميق لقضية الرفق بالحيوان والإحسان إليه، اللهم إلا بترديد بضعة أحاديث ومرويات جاءت في السياق (وهي في الحقيقة قوية وتستوجب وقفات تأمل طِوالا)، ولم يستنبط منها على ما يبدو الكثير بحيث تتم ترجمته في سلوكيات أتباع هذا الدين. في حين أن هناك من المواضيع الفرعية والجزئية ما سُوِّدت فيه صحائف بالمئات ودُبِّجت فيه بحوث ومجلدات من قبيل يد الله واستواءه على العرش ثم فضائل معاوية فبول البعير والكلب الأسود وغيرها… فكيف لم يكن لموضوع الرفق بالحيوان نفس المكانة في النقاش الفقهي وهو موضوع جوهري في غاية الأهمية و محفوف بكثير من الغموض، على عكس ما قد يعتقد العامة وربما حتى بعض المثقفين؟
وإذ أنني مرتاح البال ومقتنع برحمانية رسالة الدين وعدلها وقدرتها على احتواء أفهام وأنماط متعددة للفكر وللعيش، ولأنني لست مجازفا بديني أو مشتريا به عرضاً من عرض الدينا، لا أجد تعارضا بين معتقدي كمسلم وأسلوبي في الحياة كخضري ممتنع عن المُنْتَجات الحيوانية. وقد أسعفني بعض البحث والتمحيص والتأمل في بلورة ما قد أسميه فهما متسقاً ومتراصاً لأسلوب خضري يخدم رسالة الدين وجوهره اعتمادا على فهم معين، أقرب للعمق منه إلى
النصوصية والحروفية، لم أبتدع فيه شيئا ولكن أسعفتني بعض التفاسير والمناهج المتنورة في تجميعه والبلوغ إليه. فإن كان توفيقاً فمن الله، وإن كان فيه نقص فمن نفسي. ولكي أتمكن من عرض هذا الفهم في شكل موجز وبسيط وسهل في الاستيعاب، لا بد لي أن أقدم في البداية تعريفا خاصا عن الإنسان الخضري المتدين (عكس اللاديني)، ومن ثم ننطلق في الإجابة عن تساؤلات تعرض لكل من يجتهد في نقاش هذا الموضوع خاصة لمن له خلفية ومرجعية دينية.
فمن هو إذا “الخضري المتدين” (عكس اللاديني)؟
1- الخضري شخص يمتنع باختيار شخصي عن أكل جميع أنواع اللحوم والأسماك، واستعمال أي منتج حيواني ما أمكنه ذلك، لاقتناعه أنه ليس في حاجة إليها في حياته، وكذلك توفيراً لحيوات الكائنات التي تمتلك خاصية الإحساس والرغبة في الحياة.
2- الفرق الجوهري بين الخضري والنباتي هو أن الأول يقدم الدافع الأخلاقي لخياراته على أي دافع آخر سواء أكان صحياً أم بيئياً أم اقتصاديا. وبذلك فهو يمتنع عن كل ما من شأنه أن يعرض كائناً ذا حس للاستغلال أو الضرر قدر الإمكان، بعكس النباتي الذي قد لا يتحرج في استغلال ألبان الحيوانات أو بيوض الطيور أو لحوم الأسماك… ( Pesco-vegetarians, lacto-vegeratians, ovo-vegetarians…)
3- الخضري لابد أن يكون إنسانا واعياً باحثاً يصدر عن قناعاته الشخصية لا عن نقول جاهزة و تعميمات خالية من أي تبرير مدروس.
4- الخضري لا بد أن يتمتع بحس أخلاقي عالٍ مترجم في سلوكه مع الناس وسائر المخلوقات، وهو ما ليس حكراً على الخضريين طبعا.
5- لا يعتبر الخضري أسلوبه في العيش كفلسفة أرقى من تعاليم الدين، بل قد يستلهم من الدين ما يدعم هذا التوجه، غير مبتذلٍ ولا متكلف ودون ليٍّ لأعناق النصوص، إذ إن الدين لا يفرض بالضرورة نمطا واحداً أوحد للعيش بل يتسع لأكثر من ذلك. ليس هناك من علاقة بين الخضرية كنمط حياة، وأي مذهب عقدي أو ديني أياً كان.
6- الخضري شخص واعِ صحيا، غذائيا، بيئيا، اقتصاديا و ثقافيا، ومنخرط في المجتمع وحامل لهمه.
ولكي يضحَ الفهم ويترفع اللبس بشكل أكبر، لا بد من التعرض لبعض الإضاءات المرتبطة بالموضوع حتى تنتفي المزايدات باسم الدين من طرف المعارضين للخضرية والنباتية بأنواعها، وكذلك لسد الطريق عن المزايدات باسم الأخلاق، التي غالباً ما يرُدُّ بها المؤيدون والمنتسبون لهذه الأنماط بشكل قد يوحي بالتعالي وازدراء الرأي المخالف أو حتى التشكيك في رحمانية الدين.
اللحم حلال!… بأي معنى؟ رؤية للدين من وجهة نظر “خُضرية”
لكي يضحَ الفهم ويترفع اللبس بشكل أكبر، لا بد من التعرض لبعض الإضاءات المرتبطة بالموضوع حتى تنتفي المزايدات باسم الدين من طرف المعارضين للخضرية والنباتية بأنواعها، وكذلك لسد الطريق عن المزايدات باسم الأخلاق، التي غالباً ما يرُدُّ بها المؤيدون والمنتسبون لهذه الأنماط بشكل قد يوحي بالتعالي وازدراء الرأي المخالف أو حتى التشكيك في رحمانية الدين.
الإضاءة الأولى تعريف الخضرية (النباتية الصرفة):
الخضرية أسلوب غذائي وأخلاقي متكامل ورصين، مرتكز على أسس علمية ودراسات مستفيضة، كما أنه يوافق الحس المشترك في معظم الأحيان. وهو مرتبط بمستوى إدراك مرتفع نسبيا وإيمان بمسؤولية أخلاقية عالية مختلفة. إلا أن الخضرية خيار وقرار فردي لا يصدر إلا عن قناعة شخصية.
الإضاءة الثانية التحليل والتحريم الإسلام والنباتية (هل النظام النباتي حرام؟!) :
ليس لأحد أن يحرم ما أحل الله أو يحل ما حرمه، فهذا أمر يختص به الشارع للدين دون غيره، ولا تحريم إلا بدليل قطعي الثبوت والدلالة، ولا تشرع عبادة إلا بنص قطعي الثبوت والدلالة أيضاً. والخضري المتدين لا يحرم على نفسه وعلى غيره أكل اللحوم ولكن يمتنع بشكل فردي مبني على أسس ومبررات علمية، صحية، بيئية، اقتصادية وأخلاقية…
وقد يكون مهما هنا أن نذكر الصحابي الجليل المغمور“آبي اللحم” الغفاري ، وهو من رواة الحديث ( أي لا جرح في دينه وتقواه)، (“آبي” من أبى يأبى، أي رفض.) الذي كان ممتنعا عن أكل اللحم ، ولم يُذكر في ترجماته أنه قد أُنْكِرَ عليه امتناعه، إلا أنه في بعضها ورد على أنه مكنى بأبي لحم وهو خطأ، كما قيل أن كنيته هذه جاءت لأنه لم يكن يأكل ما ذبح على النصب وهذا أيضا في الغالب خطأ لأنه ما من مسلم صحيح العقيدة يأكل ما ذبح على النصب. فكيف تكون لقبا لصحابي وحيد دون غيره من المسلمين؟
وجدير بالذكر أن آبي اللحم كان شاعراُ في الجاهلية و قديم الصحبة. شهد مع رسول الله خيبر، وروى عنه الحديث مولاه عمير. واستشهد في غزوة حنين.
الإضاءة الثالثة القرآن والنباتية والثقافة الجاهلية:
القرآن دستور حياة يتسع لكل الزمكان، ولذلك فإنه لا بد من تأويله واستنباط أسراره ومراعاة أسباب نزوله وسياقاته قبل المجازفة بالاستدلال به حرفيا. خاصة في بعض المسائل التي لاتدخل في أسس العقيدة، وفي المتشابه منه.
فقوله تعالى في وصف حال أهل الجنة:
” .. وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ (21) ” الواقعة،
لا يجب أن يحمل على أن في الجنة مثلا سَلَّاتِ إجاص و وبرتقال أوحفلات شواء كالتي في الدنيا، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: قال الله: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر؛ رواه البخاري. ومن هنا فإنه من الأسلم فهم ما ذكره الله في الآية على أنه تقريب وتبسيط لصورةالجنة لتستوعبها عقول العرب التي لم تكن تدرك بعد كثيراً من المفاهيم المجردة تخيلا، وكثيراً ما تحتاج المثال والتشبيه.
وللتدليل على ذلك، نذكر أنه مع براعة أهل الجزيرة _ التي نزل القرآن بلسانهم_ في الشعر وفصاحتهم في اللغة، لم تَعْدُ الصور الشعرية إبان العصر الجاهلي وحتى بعد الإسلام أن تكون صوراُ حسية تستعمل التشبيه بكل عناصره أو بحذف أحدها ،كقول الشاعر:
ووادِ كجوف العير قفر قطعته به الذئب يعوي كالخليع المعيل
أو قول الآخر:
متى ننقل إلى قوم رحانا يكونوا في اللقاء لها طحينا
ولم يعرف الشعر العربي الصور التخيلية إلا في وقت متأخر. بيت القصيد هنا أن الفاكهة واللحم و الخمر والرمان وكل ما ذكر في القرآن من خيرات الدنيا في معرض الحديث عن الجنة، لابد أن يكون مجرد تقريب أو تشبيهاً من الله، وتبسيطا لما صنعت يداه من عظيم الجزاء للصالحين مما لا طاقة لبشر بتخيله، وإنما ذكره على ذلك النحو إغراء وتحبيبا والله أعلم. إن ظاهر الآية يخاطب أهل الجزيرة في العصر الوسيط ويستحثهم على عمل الصالحات لنيل الخيرات، أما عقولنا اليوم فلا يغريها إلا فهم أعمق بكثير من ذلك للآية الكريمة ذاتها. وهذا يتماشى مع حثه جل وعلا في غير ما موضع على التدبر والاستبصار في آياته القرآنية والكونية. ( أفلا ينظرون… أفلا يعقلون…..)
ولذلك فلا تستقيم المحاجة بمثل هذه الآيات الكريمات في النقاش حول النباتية من أجل تبرير أكل اللحوم واعتباره مما يرضي الله، وبالتالي فتركه قد يجلب سخطه.
الإضاءة الرابعة التقنين بالشريعة لا يعني الاجازة:
تقنين الشيء بالشريعة لايعني دائما إجازته واستحسانه من الشارع جل وعلا، فمن المعلوم أن الرق ورد التعامل به في القرآن في غير ما موضع ولم يرد تحريمه بالحرف ولو مرة واحدة.
فقد أجاز ملك اليمين والتمتع به
(” وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ(5( إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (5 (” المؤمنون(.
علماً أن الرق لا يتفق وجوهر الدين الذي جاء بالحرية والانعتاق للبشرية من كل أشكال الذل وتلاوينه. ورغم ذلك نجد أنه قد تعاطى معه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن دونه من الصحابة والتابعين، واستمر عبر الأجيال والحقب إلى أن اندثر متأخراً منذ قرن تقريبا. ومن المؤسف حقاً أن تأخر اندحار الرق في العالم الإسلامي إلى أن حرمته المواثيق الدولية المتأخرة، وكان الأجدر أن ينمحي قبل ذلك بكثير بفعل رسالة العادلة والرحيمة للدين، بيد أن تجارة الرق عرفت ازدهارا كبيرا منذ العصر الأموي إلى الدولة العثمانية تحت مسوغات دينية سطحية في الفهم و لاتتسق إطلاقا مع روح الدين وجوهره، ولازال بعض المنتسبين للإسلام يتباكون على أيام الرق الذي “شرعه الله “على زعمهم أو يمارسونه خفية وفي مجتمعات منغلقة نسبيا ( موريتانيا، اليمن….).
في حين أن الفهم السليم لتعاطي الشريعة الإسلامية مع الرق لا يستقيم على أنها شعرنة له، وإنما يجب أن يفهم في إطار فقه التدرج والتعامل مع وضع لم يكن ممكنا أبدا تغييره بمجرد حكم شرعي منزل، وإنما بأسلوب إجرائي تدرجي يحفظ المجتمع من الارتباك وصدمة التغيير الفجائي الذي لا يواكبه تغييرٌ في العقلية والسلوك. ولذلك فقد عمل الدين على تجفيف منابع الرق أو تقليصها من جهة، وفتح تصريفات له من جهة أخرى. فجعل تحرير الرقبة كفارة من ذنوب عدة، وقربة إلى الله وصدقة محمودة ، وعمد إلى تقييد السبي في الحروب وجعل في امتلاك العبد عبئا في الإحسان إليه وعدم إرهاقه وتحميله ما لا يطيق، تمهيدا لاكتسابه باقي الشروط الإنسانية وتقبله في المجتمع كصنو وند.
ولنتأمل الآن ما جاء في أكل الحيوان، حيث إننا لا نجد ما يحرم ذلك ولو من باب الإشارة إلى ما قُيِّدَ بالتحريم سلفاً لذاته (كلحم الخنزير) أو لغيره (ما أُهِل به لغير الله والدم المسفوح)… ولكن المتأمل يدرك بسهولة التحريج الذي ورد في التعامل مع الحيوان ووجوب الرفق به وحرمة إيذاءه والورع والخشوع في ذبحه، فجعل للذبح طقوساً تتهيبها النفوس السليمة من أن يكون المرء على طهارة وأن يذكر اسم الله وأن يحد الشفرة جيداً ثم يخفيها، وأن ييمم الذبيحة القبلة التي جعلت للصلاة ومناجاة الله، و يريحها على جنبها ولا يتجاوز ضربتين عاجلتين في موضع الذبح بالشفرة الحادة، تُرِحنها من طول الألم… ولنتساءل الآن: لِم لم يكن هذا الطقس في حصاد البطاطس والبقوليات أو جني الزيتون والثمار والفاكهة؟ أليست هي أيضا رزقا يسوقه الله إلينا ويستوجب الحمد؟
إن في إزهاق الروح لأمراً عظيما لا أدل عليه من الطقس الواجب في الذبح الذي لا يحل اللحم إلا به (إلا ما في البحر والنهر…) وبانتفاء أحد أركانه يكون الحيوان جيفة حراما لحمه وقد لا ينتفع بشيء منه. وإن كانت القرون قبلنا اعتادت على اللحم في تغذيتها لقربها من الطبيعة البدائية في العيش ولعدم تعرفها على البدائل الغذائية التي وفرتها التِّقانة اليوم، ولعدم تحقق رفاه غذائي لديها ووعي بيئي كاف، فإن قرننا لم يعد في حاجة لهذا النوع من الغذاء الذي تحوم حوله الطقوس المهيبة وتحفه منزلقات الفتك بمخلوق في اثناء اقتناءه و تربيته والاحتفاظ به ثم أثناء إماتته، والإثم حتماً بذلك.. إلا أن تكون الشهوة والتلذذ به والتقيد بنمط غذائي معين. وسيأتي التدليل على عدم ضرورة اللحم في الغذاء لاحقا.
من هذه الإضاءات الأربع يتضح أنه من الممكن والجائز الامتناع عن اللحم أو أي منتج حيواني دون حرج في الدين مالم يكن هناك اعتقاد بالتحريم الشرعي. الصحابي الجليل آبي اللحم شاهد يشفي الصدور. ولازلنا هنا نتحدث عن الامتناع لمن يعاف اللحم أو لا يطيقه أو لا يتحمل منظر الدم.. لا عن الامتناع لأسباب أكثر تعقيدا تأتي مناقشتها لاحقاً.
ولكن، أليست لحوم الأنعام حلالاً؟ ألا يترتب عن تركها كراهة أو منقصة أو مذمة؟
لنتفق على أمر مهم من البداية : ماهو الحلال شرعا؟
الحلال: كل ما أجاز الشرع فعله أو قوله، ولا إثم في فعله كما أنه لا إثم في تركه إلا إذا قصد في فعله التقوّي به على طاعة الله سبحانه وتعالى فهو مثاب بهذه النية. ويدخل في الحلال المباح الذي لامدح ولاذم فيه، كما يدخل فيه المكروه الذي يمدح تاركه ولايذم فاعله. و هذا الشرح يرفع اللبس بين ماهو حلال وما هو واجب. إذ أن الواجب يمدح فاعله ويذم تاركه. فأكل اللحم لا يستوجب بالضرورة مدحا كما لا يستوجب بالضرورة ذماً. وتركه اختياراً لا يترتب عنه أي أثر شرعي لذات الفعل، ربما لقرائن أخرى كالامتناع تحريما فهو إثم أو الامتناع لغرض صحي فهو مأجور عليه….
وليس كل حلال جيد و محمود، فمن الحلال ماهو مبغض وليس مستحسناَ البته. فقد روي في الحديث عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبغض الحلال إلى الله الطلاق ـ رواه أبو داود, وابن ماجه, وصححه الحاكم, ورجح أبو حاتم إرساله وكذا الدارقطني والبيهقي. فهاهو الطلاق حلال ولكنه ليس محمودا بل يبغضه الله، وهاهو القصاص حلال ومشرع ولكن العفو أرقى منه خُلُقاً لمن استطاع ووفق إليه.إذن فالجحية بكون أكل اللحوم حلالاً ليست تقدح في الإعراض عنه خاصة إذا كان السبب وجيها.
ماذا عن الأضحية في العيد؟ والهدي في الحج؟ ألم يفرضها لله على المومنين؟
الآن وقد يحتج أكثر الناس بهذا القول، يكون لزاماً علينا معرفة الأمور التالية: حكم الأضحية في العيد، والحكمة من تشريعها، و أحكام الهدي والغاية منه.
الأضحية بإجماع المسلمين هي سنة مؤكدة على القادر، وانفرد بعض الفقهاء بالقول بوجوبها على الميسر ولكن في العموم هي سنة مؤكدة وحسب. ومن المعلوم أن السنة المؤكدة يُثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، وإن قال بعض الفقهاء بكراهة تركها، والكراهة كما ذُكر آنفاً مما لا لوم في فعله أصلا. إذن فعدم ذبح الأضحية ليس مخلا بركن من أركان الدين أو عروة من عراه ولو لم يكن لسبب وجيه.
أما عن الغرض من سن الأضحية في العيد فيبدو أن قد اتحد فيه قول العلماء، ومما جاء على لسان ابن عثيمين رحمه الله في هذا الموضوع قوله: “..هي من نعمة الله على الإنسان أن يشرع للمسلم ما يشارك به أهل موسم الحج؛ لأن أهل الموسم لهم الحج والهدي، وأهل الأمصار لهم الأضحية، ولهذا نجد من فضل الله ورحمته أنه جعل لأهل الأمصار نصيباً مما لأهل المناسك، مثل: ترك الأخذ من الشعر والظفر في أيام العشر من أجل أن يشارك أهلُ الأمصار أهلَ الإحرام بالتعبد لله تعالى، بترك الأخذ من هذه الفضولات، ولأجل أن يشاركوا أهل الحج في التقرب إلى الله تعالى بذبح الأضاحي، لأنه لولا هذه المشروعية لكان ذبحها بدعة، ولَنُهِيَ الإنسان عنها، ولكن الله شرعها لهذه المصالح العظيمة. وكذلك شرع الله الأضحية لتحقيق الحكم التالية:
– اقتداء بأبينا إبراهيم عليه السلام، الذي أمر بذبح فلذة كبده، فصدَّق الرؤيا، ولبّى، وتلّه للجبين، فناداه الله وفداه بذبح عظيم.
– توسعة على الناس يوم العيد، فحين يذبح المسلم أضحيته يوسع على نفسه وأهل بيته، وحين يهدي منها إلى أصدقائه وجيرانه وأقاربه فإنه يوسع عليهم، وحين يتصدق منها على الفقراء والمحتاجين فإنه يغنيهم عن السؤال في هذا اليوم الذي هو يوم فرح وسرور…”
من هذه الحكم نفهم أن الأضحية لم تشرع لغاية أكل اللحم وسفك الدم وإنما لغايات أسمى وأرقى من العبادة، وهي التبتل والصدقة والتأمل في الحنيفية الإبراهيمية التي نحن عليها كَمِلَّة.. ولقد جاءت الآية في سورة الحج صريحة في الغاية من النسك عند قوله تعالى:
” لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنْكُمْ. كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ” سورة الحج – الآية 37.
ومن عجب أن صارت الأضحية مجرد موسم للمباهاة بين الناس، وفرصة للعروض التجارية المباحة وغير المباحة.. فمن مستدين لشراء الذبيحة، ومن مقترض بفائدة، ومن مؤجل لفرض أو حق عليه يقدم اقتناء الخروف الأقرن ولو ضيع في ذلك حقوق الناس، ومن مفرط في الدين إلا من سفك الدم وشواء الكبد كأنه عمود الإيمان ! حتى صار الناس يتقاعسون عن ارتياد المصلى أو التعجل في مغادرته ولو تدافعا، لكي يتسنى لهم أن يقيموا هذا الطقس الاجتماعي والشعبي بامتياز، فترى الدماء والأدخنة والفضلات في الطرقات في منظر لا يوحي بمسحة التقوى والورع وتعظيم الشعائر… بل بكثير من اللهفة إلى مادة غذائية ترفيهية حسب ما اعتاد عليه السواد الأعظم من الناس.
ولعمري إن الذي يترك الأخذ من الشعر والظفر في أيام العشر ويصبح يوم العيد مغتسلا ومبكراً إلى المصلى، ثم يتأنى في العودة إلى أهله فيتصدق على جيرانه وذوي الحاجة من أقربائه أو غيرهم، ثم يوسع على أهله فيذكرهم بعظمة مناسك الحج ويدعوهم إلى التأمل فيها من رفع القواعد وسعي أم الذبيح ونبع زمزم… ويحثهم على التزام حنفية إبراهيم والتأمل في سيرته التي لم يذكر منها القرآن الكريم الشيء الكثير عبثا… ويدعوهم إلى التمعن في الأنعام وخلقها كما أمر الله ( أحيل هنا على نظرية آذان الأنعام في الخلق والتطور ) لعمري إن هذا الشخص أقرب إلى استيعاب وتحقيق غاية عيد الأضحى من ذابح أعياه قرمه إلى اللحم عن التدبر والتفكر في هذا النسك العجيب المثقل بالأسرار والمحجوبات.
أما عن الهدي فهو إما تطوع أو واجب. فهدي التطوع هو ما يقدمه المرء قربة إلى الله تعالى من غير إيجاب سابق، وأما الهدي الواجب فهو الذي يجب على العبد بسبب من الأسباب الموجبة له وهي:
دم التمتع والقران: وهو الدم الواجب بسبب الجمع بين الحج والعمرة في سفر واحد قال جل وعلا :
{ فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة } البقرة 196
دم الفوات والإحصار: وهو الدم الواجب بسبب فوات الحج ، وذلك بأن يطلع فجر يوم النحر على المحرم ولم يقف بعرفة ، وحينئذ فإنه يتحلل بعمرة فيطوف ، ويسعى ، ويحلق أو يقصر ، ويقضي الحج الفائت ، ويهدى هدياً يذبحه في قضائه. ويجب الدم أيضاً بسبب الإحصار وهو طروء مانع يمنع المحرم من إتمام نسكه بعد أن شرع فيه ، كمرض أو عدو أو غير ذلك من الموانع لقوله جل وعلا :
{ فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } (البقرة 196).
فيجب عليه هدي يذبحه حيث أحصر ، فإن لم يجد الهدي ففي انتقاله إلى الصيام خلاف.
دم ترك الواجب: وهو الدم الواجب لترك واجب من واجبات الحج كترك الإحرام من الميقات ، وعدم الجمع بين الليل والنهار في الوقوف بعرفة ، وترك المبيت بمزدلفة ومنى ، وترك طواف الواداع .
دم ارتكاب المحظور: وهو الدم الواجب بارتكاب محظور من محظورات الإحرام –غير الوطء وعقد النكاح وقتل الصيد – كالحلق ولبس المخيط والتطيب وتقليم الأظافر ، فالواجب فيه دم على التخيير ، وهي فدية الأذى المذكورة في قوله تعالى :
{ فمن كان منكم مريضاً أو به أذىً من رأسه ففدية من صيامٍ أو صدقةٍ أو نسك } ( البقرة 196) ،
فهو مخير بين أن يذبح شاة ، أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع ، أو يصوم ثلاثة أيام.
كفارة الوطء والاستمتاع: وهو الواجب بجماع الرجل لزوجه قبل التحلل الأول.
دم جزاء الصيد: وهو الدم الواجب بسبب قتل المحرم للصيد ، أو الإعانة على قتله لقوله تعالى :
{ومن قتله منكم متعمداً فجزاءٌ مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هدياً بالغ الكعبة } (سورة المائدة 95)
إن أغلب هذه الدماء يمكن الاستعاضة عنها حسب النص القرآني إما بإطعام المساكين أو بصوم في أثناء الحج وبعده
(..فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم.. / ..ففدية من صيامٍ أو صدقةٍ أو نسك.. )
أما التي لم يرد فيها نص بغير الهدي فقد اجتهد العلماء وقاسوا فقالوا بجواز الصيام أو الإطعام قياسا على التمتع والجمع بين الحج والعمرة.. وهذا مبحث يمكن الرجوع إليه لمن أراد مزيد اطلاع. وللأمانة، فإنه لم يجمع العلماء على القياس في الحالات التي لم يرد في نصها غير الهدي، ولكن تجويزه من طرف العديد من العلماء يفتح باب الرخصة ويكسب مرونة تتوافق وجوهر الدين.
الآن ولكي تصير الإجابة واضحة نقول:
إن الإتيان بالنصوص والشواهد الدينية والقياسات لم يأت في سياق شرعنة أسلوب حياة معين وإضفاء طابع ديني عليه، بقدر ما هو رد ممنهج على كل مزايدة قد تدعي أن النباتية أو الخضرية تتعارض مع أوامر الدين وتشريعاته وبذلك يختلق المرء في ذهنه صراعا بين الدين وهذا الأسلوب الحياتي القائم على الامتناع عن استهلاك المنتجات الحيوانية وكذا رفض استغلال الحيوانات.
ومما سبق يبدو جليا أن للخضري مخرجا واسعاُ لا يسمح له فقط بممارسة دينه كأي متدين مستهلك للمنتجات الحيوانية، مع الحفاظ على نمطه وأسلوبه الخضري، بل قد يؤهله لأن يصير أعمق فهماُ لشعائر الله في هذا العصر وأدعى أن يسمو بروحه وبأخلاقه، وهذا بالتأكيد لا يكتسبه المرء بضربة واحدة حالما يصير خضريا، ولكن بالدرس والبحث والتأمل في مباحث روحية وعقلية عميقة تتطلب من الدارس نفسا طويلا وسعة نظر واطلاع…
وللإفادة، فإن الدين شِقّانِ: عقيدة وشريعة.
فأما العقيدة فراسخة وجلية وغير قابلة للتغيير والتبديل والتأويل في إي عصر ومصر، إذ إن مركزها التوحيد وهي ثابتة على هذا النحو مذ أن بعث الله آدم إلى آخر آية أنزلها على خاتم الرسالات. وأما الشريعة ففيها من النسك والقوانين ما يتبدل حسب الأقوام والرسالات والأنبياء والظروف والقياسات… و من ذلك أن الله يحيلنا في غير ما موضع على خيارات في الأحكام مثل
قوله تعالى“…فمن لم يجد.. فمن لم يستطع.. “.
وقد فهم الصحابة الأولون هذا المنهج وكانوا يقيسون ويتحرون المقاصد في الأحكام الشرعية، ومن ذلك أن رفع عمر بن الخطاب الحدود عام الجدب لأن المقصد منها لا يتحقق والناس جياع…
إذن فإعادة النظر في بعض النسك على ضوء دراسة فقهية مقاصدية ليس بدعة_ كما أنه ليس مجالا لكل قائل، فمقاصد الدين أولى من النسك والشعائر، وإلا فالشعائر دون قصد لا تعدو أن تكون ممارسات جوفاء خالية من كل معنى. ونذكر بالآية الجلية التي أوردناها سابقاً:
” لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنْكُمْ. كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ” سورة الحج – الآية 37.
وعلى كل حال فليس هذا مقام التفصيل في هكذا مبحث ولسنا أهله، ولكنها دعوة للنظر فيه من أهل الاختصاص ذوي العلم الديني والاطلاع .
ب
مقال الإسلام والنباتية بقلم
ibrahim kane
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%86%D8%A8%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%A9
1 فكرة عن “الإسلام والنباتية ، هل النباتية حلال أو حرام حسب الفقه الإسلامي، الخضرية من منظور ديني”
ydvr18